عمـــــــــود صحــــــفي للجمــــــــيع فقـــــــــط
-----------------------------------
«الحنكلو أب حكاً حلو» / حيدر المكاشفي
----------------------------------
xإستوقفني بالأمس خبر بصحيفتنا وردها من بورتسودان بعث به مراسل الصحيفة، الصحافي المجتهد محمود ود أحمد، مفاده أن أربعا وعشرين طالبة جامعية يسكنّ بداخلية واحدة أصبن جميعاً بمرض الحكة الجلدية، وعزت مصادر طبية هذا المرض الذي يعرف أيضاً باسم «الجرب» وبالاسم المحلي «الحنكلو أب حكاً حلو» الذي أطلقه عليه أهالي الجزيرة الولاية في أزمان سابقة حين فشا في أوساطهم، إلى طفيل ينتشر في الأجواء الرطبة ويعيش في الأماكن المتسخة والمغلقة التي لا يتجدد فيها الهواء، كما تطيب له الاقامة والتمدد على الأفرشة «جمع فراش» من المراتب والالحفة «جمع لحاف» والأغطية البالية والمتسخة، وفي ثنايا الملابس المتسخة وخاصةً الداخلية، ورغم أن الخبر يشير إلى المساعي التي بذلت لمعالجة المصابات وتنظيف بيئة الداخلية الموبوءة، إلا أن الاشارة الأهم تكمن في أن المسؤولين عن هؤلاء الطالبات والمشرفين على سكنهن هم السبب الأول في الذي حدث لهن، وليس هذا الطفيل المجني عليه والذي لم يفعل أكثر من أنه وجد الجو والبيئة المناسبة له فأقام واستوطن فيها، فلو أن هؤلاء المسؤولين والمشرفين كانوا قد بادروا منذ البداية بتحسين بيئة هذا المسكن ونظافته وتغيير الأفرشة البالية والمهترئة والمتسخة، لما احتاجوا أن يصرفوا أضعافها بعد أن وقعت الفأس في الرأس ودفعت الطالبات من صحتهن ثمناً غالياً جراء اهمالهم ولامبالاتهم، ولكن ماذا نقول عن مثل هذا النهج الاداري العقيم والعقليات التي تحتاج هي نفسها قبل الطفيل إلى تعقيم وإلى ديتول وصابون فنيك لتطهيرها من داء البِلىَ والقِدم الذي أصابها فلم تتطور ولم تتجدد أساليبها ومناهجها، وهو للأسف نهج وسم بل الأحرى وصم غالب أدائنا العام في مؤسسات الدولة حتى دمغنا الآخرون بأننا من نصنع أزماتنا ومشاكلنا بأنفسنا، ثم نبدأ في الهرولة هنا وهناك بحثاً عن حلٍ لها، ولن يحتاج اثبات هذا النهج العاجز والقاصر إلى بذل أي جهد، فقط تذكر أول مشكلة أو أزمة تخطر على بالك ثم تأملها وانظر في أسبابها ومن كان سبباً فيها، ستجد أنها «مننا وفينا» وان كان للآخرين دور فيها فهو بالقطع سيأتي تالياً، يجدها الآخر جاهزة فيستثمرها لصالحه....
إنه والله أمر مؤسف أن يظهر الآن هذا المرض الذي يعد من أمراض التخلف، فالحكة الجلدية ما هي إلا الجرب الذي عرفه العالم قبل أكثر من ألفين وخمسمائة سنة، وأكثر ما يصيب الحيوانات وخاصة الابل والكلاب، وإنها سبة وفضيحة أن يتفشى الجرب بين طالبات جامعيات يفترض أن توفر لهن الجهات المسؤولة عن اسكانهن بيئة مناسبة وليس كتلك التي تفشى فيها داء الجرب الذي هجاه الشعراء منذ العصر الجاهلي فإذا بنا نجد أننا في حاجة إلى هجائه في القرن الحادي والعشرين، فما أبأس أحوالنا وأوضاعنا الصحية!