لم تقوَ رجلا (سندس) على حملها، عندما تخطت باب الصالة لتدخل البيت بعد عودتها من مشوار طارئ لإحدى جاراتها في الحي، بعد أن تركت خلفها زوجها ممدداً على الكنبة يدخن سيجارة بعد وجبة الإفطار.. دفعت الباب ودخلت في هدوء دون أن تصدر جلبة، لتفاجأ بمشهد غريب أمام عينيها، فقد رأت زوجها يتبادل ضحكة صافية مع الشغالة انتهت بضرب كفه بكفها على طريقة (give me five)!!.
كانت عاملة النظافة الشابة من دولة مجاورة، التي تقوم بمساعدتها في إنجاز مهام التنظيف ورعاية البيت، تقف بجوار زوجها المتكئ على الكنبة، وقد رفعت الكلفة بينهما ويتبادلان حديثاً ضاحكاً وكأنها ألقت على أسماعه بنكتة!!.
انتظرت بفارغ الصبر خروج العاملة التي استجلبتها لتعينها على شقاء عمل البيت، لتستوضح زوجها عن طبيعة المشهد، وتلقي على مسامعه محاضرة طويلة وقيمة عن حدود الاحترام، وفواصل التعامل التي لا تتجاوزها هي شخصياً مع عاملتها، ولكنه أجابها بعدم اكتراث بأنها قد (كبّرت) الموضوع وأن البت مسكينة وغلبانة وهو يتباسط معها في الحديث ويداعبها بين الحين والآخر (جبر خواطر) وكده!!.
طبيعة العلاقة والسياسة المتبعة بين أفراد الأسرة مع عاملة المنزل، كانت ومازالت محل جدل وشد وجذب، بل وجود العاملة المنزلية في حد ذاته مختلف عليه، فهناك البعض من الأسر تعتبره ضرورة، خاصة للأمهات العاملات أو اللاتي لهن العديد من الأطفال في سن الرعاية، بينما يعتبره البعض نوعاً من أنواع دلع الحريم، وتعودهن الاعتماد على غيرهن في رعاية شؤون بيوتهن، خاصة مع وجود الكثير من التسهيلات والتقنيات التي ساعدت على إنجاز المهام المنزلية، في وقت أسرع وجهد أقل من الجهد الذي كانت تبذله أمهاتنا وجداتنا، اللاتي لم يحضرن عهود البتوجاز والغسالة والمكنسة الكهربائية ووو...
مع ذلك، لا خلاف على أن هناك بعض الحالات التي تستدعي تدخل الأيدي المساعدة، كوجود شخص مريض يحتاج لعناية خاصة أو مناسبة في البيت أو موسم الامتحانات حين تتمرد البنات على أمهاتهن ويرفضن المساعدة في أعمال البيت بحجة المذاكرة.
هناك من يفتي بأن كل زوجة وأم يمكن أن تقوم على تربية أولادها وإنجاز تكاليفها، إذا ما وجدت يد المساعدة من الزوج بحجة أن الحياة شراكة وليست (هرش)، فلو تكاتف أهل البيت وتشارك الجميع أم وأب وأبناء في إنجاز المطلوب، مع تنظيم وقتهم بصورة لا تصيبهم بالإجهاد أو الملل، لما كانت هناك ضرورة لوجود الخادمات ولتم توفير المبلغ الذي يصرف على مرتبها وتكاليف إعاشتها على احتياجات الأسرة الأخرى.
أما عن طريقة التعامل مع عاملات المنازل، فهناك من يعتمد سياسة التباسط ورفع الكلفة معهن كحال زوج (سندس) المتباسط بن المنبرش، وهذه المعاملة سلاح ذو حدين.. فمن جانب هذه العاملة إنسانة أجبرتها ظروف قاهرة على الرضى بهذا العمل، لذلك من الضرورة احترام إنسانيتها وعدم الإساءة إليها لا بالقول ولا بتكاليف قاسية لا طاقة لها بها، والأهم أن نكرمها بأن نغرف لها من طعام أهل البيت فلا نترك لها الفضلات وبواقي الصحانة، وأن نخصص لها للنوم –إن كانت إقامتها دائمة– مكاناً آمناً بعيداً عن عيون رب الدار وابنائه الصبيان!.
بالمناسبة، هناك جانب مظلم آخر لوجود العاملة وذلك حينما تتخذ منها ربة البيت حليفة، ويتوحد نضالهما ضد العدو المشترك الذي هو الزوج.. تحكي لها أدق تفاصيل مشاكلها الشخصية، وتتشاور معها في القرارات المصيرية، وهناك من العاملات من تشتغل (حجّاز) فتأخذ على رأسها (كم عكاز)، إذا جازفت بالتدخل لفض الاشتباك بين مخدمتها وزوجها عندما تندلع الشكلة بينهما في حضورها.. حلفوا قالوا ليك في واحدات بحكن مشاكلن للمساعدات لدرجة أن الاثنتين تترافقان معاً لزيارة الفكي عشان يكتب الراجل، وذلك لمعرفتهن بدروب ومظان الفقراء!!.
الاستعانة بالأيدي العاملة الناعمة في إدارة شؤون مملكة المرأة، يجب أن تكون ضرورية وليست كماليات أو حركات برجزة، لأن مخاطر وجود شخص غريب من غير المحارم، وبدون ضوابط وسط أفراد الأسرة، أمر له من السلبيات ما يفوق الإيجابيات بمراحل.. وإن دعت الضرورة فيجب الاستعانة بـ"المأمونة" صحة وسنّاً وشكلاً وموضوعاً.. تحققي عزيزتي الزوجة من خلفية وأخلاق وعنعنة من تدخليها إلى بيتك حتى لا تبقى عليك (متولتة) وتندمي ندامة (سندس) حين لا ينفع الندم!.