تداعيات
خريف مترع ، تسقط القراقير من ايدي الصغار و تدور علي الارض المبلولة ، في الجباريك ، تلك المزارع الصغيرة ، كانت نسمات الخريف تجادل قناديل عيش الريف و لا تفتأ تعلن رقصتها مع النسمات ، حين كان الاطفال يتفادون البرك الصغيرة بعرباتهم علي مختلف التصميمات ، تلك العربات المصنوعة من السلوك ، عربات السلوك ، بينما كانوا يمارسون تلك الفرحة مقلدين اصوات العربات ، دخلت السوق الكبير افواج من النساء المترنمات و رجال بقرون علي رؤوسهم ، خليط من الجنسين يتحرك مع رقصة -الكمبلا- التي إعتدت فجأة علي حركة البيع و الشراء في السوق و جذبت اليها حتي التجار ، تفرقع سياط الراقصين حين تضرب علي الارض و تكشكش الاقدام التي طوقت بحجول من العلب الصغبرة التي ملئت بالحصي و باخري من اغطية زجاج -الليموناده -، هكذا ، تتدفق النغمات الموسيقية بتركيب ممتع ، يبدو بسيطا و لكنه معقد بما يكفي من عذوبة ، إن صخب تلك الاقدام علي الارض مع حمحمة الراقصين و غناء المترنمات من النساء مع فرقعة السياط بين فترة و اخري ، كل هذه الاصوات قد تاتيك هكذا ، دفقة واحدة ، خرجت رقصة -الكمبلا - فجرا من - كحليات - و وزعت فرحتها علي طول الطريق حتي دخلت سوق كادقلي الكبير .
من وادي تحيط به الجبال يدعي - لوفو- تنحدر المياه ، شلال عبر الجبال ، يمكن ان نلاحظ فعل الماء علي الصخور ، تشكيلات غريبة علي الصخور تؤكد قيمة الزمن و قوة الماء و تحمل الصخر ، تنحدر المياه من هذا الشلال ، تلامس الصخور المبعثرة علي الارض ، حين يسمع اهالي حي - قعر الحجر- هدير المياه يعرفون ان خور- كلبي - بكسر الكاف - قد اعلن حضوره ، قد يأتي مبكرا و قد يتأخر ، لذا دائما ما تتمايز به فصول الخريف ، إن السحابات التي تبكي ببروقها و رعودها علي تلك الجبال قد تتمانع احيانا و قد تهرب ، خور - كلبي - ينتزع الارض التي يمر عليها فيقسم الجزء الغربي من المدينة ، يقسم بين حي -الملكية- و حي -الرديف - و يتعذر تماما ان تصل من حي - البانجديد- الي حي -الموظفين- و من حي - السوق - الي حي - الملكية - ، يطوق خور - كلبي - الجزء الغربي من المدينة منسربا عبر سهول ووديان ، يلتقي بخيران اخري في مسيرته و تنمحي ملامح تلك الخيران في خور -ابو حبل- الكبير .
عادة ما تعجز العربة التي تنقل طلاب مدرسة كادقلي الثانوية العليا- تلو - بكسر التاء - عن اداء مهمتها في توصيل الطلبة الذين هم خارج الداخلية بسبب ذلك الخور الذي يمر بحي - الفقراء - و حي - حجر المك - ، الطلاب تراهم يتجهون في جميع الاتجاهات ، منهم من يحمل حذاءه في يده و منهم من إحتاط لهذا الامر فأقتني شده او جزمة من البلاستيك او كبك او باتا ، خور - حجر المك - يتمتع بالجزء الشرقي من المدينة و يتركها بعد ان يمر بحي - كلبا - بضم الكاف ، و حي - مرتا - ايضا يضم الميم في الجزء الشمالي ، قبل ان يداعب حافة الارض التي عليها قصر الضيافة و سط تلك الحدائق و البساتين التي تتعانق فيها الاشجار ، الاشجار تتعانق عند مدخل و مخرج المدينة الشمالي كأول إشارة جمالية ، تستطيع ان تسمع هديره و انت في موقف اللواري و البصات التي تتجه شمالا ، امام منطقة - الغيط - القديمة ، يتجه خور - حجر المك - شمالا كما اتجه رفيقه خور -كلبي - ، تري هل يلتقيان ؟ .
يميز المسترخون في منازلهم من الاصوات التي تسري عبر هذا الليل المميز بالمطر و القمر ، يميزون صوت - بكري- الملقب ب - أوهو - بضم الالف - و هو يترنم باغنية - هوج الرياخ- للجابري
( الليل الليل
الليل الليل
) الليل يهود بي
عادة حين يقترب - أوهو- من تلك الربوة العالبة عند مدخل حي - الملكية - يتخلي عن تلك الاغنية ليضم شفتيه و يصفر ذلك النغم الذي يستعذبه جدا ، صفارة الكابوي ، و كأنه حين يعتلي تلك الربوة يتقمص احد ادوار - جون واين- او- فرانكو نيرو- كلنت إيستوود ،- أوهو - ياتي دائما من السينما ، لا يفارقها ابدا ، لكن الخريف يعتدي علي مزاجه ويحرض شجنه و حنينه الي عوالم اخري ، هناك ، بعيدة، حيث انها ليست هنا ، يضحك علي طريقة ابطال الافلام ، يحزن و يبكي متمثلا تلك الصراعات التراجيدية النقية ، يمشي كما يمشون داخل ذلك الحائط الابيض المستطيل ، يحلم بمدن وشوارع و بنساء جميلات ، بخيول مجنحة في الفراغ ، كم يتمني ان يمتلك حصانا ، يصيح في اؤلئك الذين يضايقونه بهذرهم صافي النية ، يصيح فيهم و لا ينسي ان يقطب جبينه علي طريق- شارلس برونسون -
شط أب
يمتلك حصيلة من مفردات اللغة الانجليزية ، العامية الامريكية تحديدا ، ما يمكنه من التعبير بها ، يرتدي قبعة من السعف يمليها قليلا الي الامام بحيث تغطي جزء من الوجه فيبدو غامضا ، .
حين حصل - اوهو- علي ذلك البالطو جرب ان يصعد الجبل و يأتي نازلا و في ذهنه تضج تلك الموسيقية التصويرية التي تكثف دخول- ديجانقو - الي المدينة ، ينزل - أوهو - من الجبل ببطء ، تتضايق حين لاحظ ان قدميه تفقدان تلك الجزمة التي هليها النجمة من الخلف فقد كان يرتدي شبشبا مصنوع من لستك إطارات العربات - تموت تخلي - ، إهتزت شخصية الكاوبوي ، تجاوز - أوهو- معضلة الجزمة ، تسامي عليها ، إحتفظ بمشية الكاوبوي ، إنبعثت في داخله تلك الموسيقي ، إنفجر منسجما معها في صفير ممتع ، حين نزل - أوهو- من الجبل ، قرر ان يقطع خور- كلبي - متجها الي نادي -الموردة- ، قرر ان يقطع الخور من حي -الملكية- الي حي -الرديف- حيث كان نادي -الموردة -القديم علي ضفة الخور الاخري ، كان الخور في قمة إندفاعه و كانت تلك الموسيقي التي في دواخله مع صفيره العذب تهون من امر إندفاع المياه ، إقتحم -أوهو- المياه ببط الواثق ، لم يتخل عن صفيره و هو يحس يسرج الحصان تحته ، يقاوم المياه باصرار ابطال السينما ، حين وصل الي منتصف الخور ، وقف مواجها عنف التيار ، المياه وصلت الي وسطه ، وقف ينظر الي هنا و هناك ، يصفر منتشيا ، حين مربه احد السكاري ، صاح في -أوهو-
( يا زول ، الخور ده بشيلك )
نظر اليه - أوهو - و قطب جبينه و تخلي عن صفيره مرغما ليصرخ في وجه هذا السكير
) ( قير أوت منها
بعد ان خرج -أوهو- من خور -كلبي- و اتجه الي نادي -الموردة- ، لم يكن نادي -الموردة- في ذهنه سوس بار من بارات مدينة - تكساس - ، الحضور داخل النادي يتوزع علي العاب -الكوتشينة- و -الضمنه- و بعضهم يتأنسون ـ إنتبه هذا الحضور في لحظة واحدة حين دفع -أوهو- باب النادي ، دفعه بعنف و نظر خلفه الي الباب ، كان متأكد من ان الباب تتأرحج منه الضلفتان رغم ان باب النادي كان من ضلفة واحدة ؟
ضحك الحضور ، كان - اوهو- مبتلا ، يرتدي ذلك البالطو ، القبعة السعفية تغطي جزءا من وجهه ، يقف مباعدا بين ساقيه حتي إنك تستطيع ان تجزم حين تراه واقفا هكذا انه يرتدي حزاما يتدلي منه مسدسان ، استطاع احد الاشقياء ان يعيده الي الواقع حين صرخ مرحبا به ( اوهو) اوهو
حينها خرجت شخصية الكابوي من دواخله و بحضور سريع رد علي ذلك الصائح بأسمه
) ( بطنك فيها بابو
ضحك الحضور ضحكة مجلجلة تردد صداها علي ذلك الجبل القريب ، من بين تلك الضحكة إلتقط -أوهو- عذاب دلوكه كانت تحاول ان تتمرد علي ذلك الليل ، مست دواخله الشفيفة اصوات ينات حي الرديف
( قصدك قصدك
مشتاقين ما لقو
قصدي
فوق السجاير
) ولع لي نحرقو
كم يجذبه الغناء ، لذلك خرج - اوهو- من النادي متجها الي حيث الغناء و قرر ان يرقص هذه الليلة كصعلوك نبيل .
يمر عام
و ياتي عام
و يمارس خور - كلبي- حضوره الموسمي بنسبية مختلفة ، لكن ، حين جاء خور - كلبي - هذا العام التي تلي وقفة - أوهو- بين مياه المندفعة ، جاء خور - كلبي - و كان -أوهو- قد ذهب الي حيث لا رجعة.
وجدوه مستلقيا و بهدوء تلوح علي وجه بقية من تكشيرة لاخر كاوبوي تقمصه .
كان احد الازرار الحديدية في شيشيه الذي ينتعله - تموت تخلي - هذا الزر الحديدي اصابه الصدأ فجرحت قدمه و مات بالتاتنوس ، بكري - أوهو- مات مستلقيا علي برش و بقربه كانت هناك نجمتان من الحديد و بوت قديم مهتريء من ذلك النوع الذي ينتعله العساكر .