عمــــــود صحـــــفي للجمـــــيع فقـــط
------------------------------
الطاهر ساتي
هي محض رسالة للرئيس سلفا كير، وهي الرسالة الثالثة خلال الثلاثة أشهر الأخيرة..زيارة وزير الخارجية ومدير جهاز الأمن إلى جوبا قبل ثلاثة أشهر، كانت الرسالة الأولى لرئيس حكومة جنوب السودان ..رسالة فحواها : نفذنا بند الترتيبات الأمنية حسب نص الإتفاق، وشهدت بعثة الرقابة بحسن التنفيذ، ولكن حكومتكم لم تلتزم بالتنفيذ.. والرسالة كانت محرجة لرئيس حكومة الجنوب، لأنها لم تكن شفاهية، بل قدم الوزير والمدير من الأدلة الموثقة ما تكفي إحراج الرئيس سلفا كير لحد الوعد بمتابعة القضية ومعالجتها عندما إلتقى الرئيس البشير باثيوبيا ..هكذا كانت الرسالة الأولى ..!!
** أما الثانية، فقد كانت زيارة وزير النفط بحكومة الجنوب إلى الخرطوم قبل شهر..زارها بعد أن توقف إنسياب البترول عند منطقة الجبلين، وهو التوقف الذي أرجعوا أسبابه - في وسائل الإعلام - إلى ( أسباب فنية)..ولم يكن الأمر كذلك، فالأسباب لم تكن فنية، بل إغلاق الخط الناقل في تلك المنطقة الحدودية بغير إعلان كانت (الرسالة الثانية)، وفحواها : حكومتكم لم تلتزم بتنفيذ الاتفاق الأمني، وكذلك رئيسكم لم يلتزم بما وعد به وزير الخارجية ومدير جهاز الأمن بمكتبه، ولا بما وعد به البشير باديس، وهذه أدلة أخرى - وموثقة أيضاً - تؤكد عدم الإلتزام ..فاستوعب وزير النفط بالجنوب محتوى الرسالة، وخرج لوسائل الإعلام قائلاً : (أسباب توقف إنسياب البترول كانت فنية، وتمت معالجتها)، قالها هكذا وهو يعلم بأن الأسباب لم تكن فنية..ثم غادر، وإنساب البترول ..!!
** فالرسالة الأولى كانت للتنبيه، والثانية للتحذير..وهاهي الرسالة الثالثة، وهي - تقريباً - للتحذير أيضاً .. المهم، إغلاق أنابيب نفط الجنوب ليس بقرار سوداني، بل حكومة الجنوب هي التي أرغمت حكومة السودان على إصدار هذا القرار المراد به (إرسال رسالة، ليس إلا)..فالسودان بحاجة إلى أي (دولار لافي)، والوضع الإقتصادي متأزم منذ أن أغلقت حكومة الجنوب آبارها، ومن الغباء أن يغلق (باب رزق أو باب نهب)، ولكنه مكره على ذلك ..وقد لاتقدم حكومة الجنوب الدعم المباشر لقوات الجبهة الثورية، ولكنها عاجزة عن حماية حدود الجنوب بحيث لايناسب عبرها الدعم اليوغندي وغيره..ثم عاجزة عن بسط سيطرتها على جيشها بحيث لايمد بعض جنرالات الجيش قوات الجبهة الثورية بالدعم..وبالعجز عن إيقاف الدعم اليوغندي، وكذلك بالعجز عن إيقاف دعم بعض جنرالات جيشها، تدعم حكومة الجنوب قوات الجبهة الثورية.. وإنسياب البترول لحد البيع يعني تواصل الدعم، بل (المزيد من الدعم) .. ولهذا يجب ألا ينساب، أوهكذا التوجيه الرئاسي ..!!
** وبالمناسبة، تنفيذ هذا التوجيه ليس بذات يسر الخطاب ( ياعوض اقفل الأنابيب)..لقد تدفق بترول الجنوب في الخط الناقل لحد الوصول إلى بورتسودان، وهناك أسباب فنية تمنع (إغلاق الخط فوراً)، أي قبل التخلص من بتروله ثم عمل معالجة تحفظ الأنابيب من الجفاف..ومن تجربة الإغلاق السابقة، تنفيذ التوجيه الرئاسي - فنياً ومهنياً ومع الحفاظ على سلامة الأنابيب - بحاجة إلى شهر تقريباً، وهي الفترة التي تراهن عليها الخرطوم، بحيث يفعل الرئيس سلفا كير خلالها ما يمنع تدفق الدعم لقوات الجبهة الثورية ..!!
** رئيس حكومة الجنوب في وضع حرج.. قد ينفي دعم حكومته لقوات الجبهة الثورية، وقد يكون صادقاً في هذا النفي، ولكنه لن يستطيع أن يبرئ أرض بلاده التي صارت معبراً لكل أنواع الدعم..لن يستطيع نفي ذلك، فالأدلة الموثقة بطرفه ( شخصياً)، وكذلك إطلع عليها بالخرطوم ( وزير النفط)..للأسف، يواجه السودان أكثر من حكومة جنوبية في كل القضايا العالقة ومنها (قضية الترتيبات الأمنية)..حكومة بقيادة الرئيس سلفا كير تريد سلاماً وتعاوناً مع السودان، وحكومة أخرى بقيادة نائب الرئيس رياك مشار - وهي مهمشة ومغضوب عليها من قبل حكومة سلفا كير - وموقفها ضبابي في كل القضايا ذات الصلة بالسودان، ثم حكومة ثالثة بقيادة بعض جنرالات الجيش الشعبي وهي التي تفعل ما تشاء بالجنوب، وهي التي تعكر حالياً صفو( سلام البلدين)..المهم، التوجيه الرئاسي محض رسالة سياسية عابرة وقد لايصل مرحلة التنفيذ، إن لم يكن بالتراجع المعهود فلأسباب فنية..ولكن، ما لم يعالج الرئيس سلفاكير الوضع السياسي هناك، فان دولة الجنوب بحاجة إلى مبادرة جنوبية أوإقليمية توحد حكوماتها - أو رؤاها - قبل أن تحاور حكومة السودان في ( القضايا العالقة)..تعدد الحكومات داخل دولة الجنوب لم تعد تُزعج أهل الجنوب فقط، بل جيرانهم أيضا..فالحرب هنا يجب أن تبقى سودانية لحين إنتصار طرف على الآخر، أو لحين تحقيق السلام العادل أو..( الفناء الشامل) ..!!