عمــــــود صحــــفي للجمـــيع فقــــــــط
------------------------------
البطل يسقط مرَّتين ..!/ منى أبوزيد
----------------------------
«تعيسة هي البلاد التي تحتاج إلى أبطال» .. برتولت بريشت!
عامر صديق طفولتنا الصغير كان أيقونة ناطقة للولد المثالي .. أول الفصل .. مؤدب .. شاطر .. رسام .. لعيب كورة خطير ..إلخ .. وقد ظل في نفوسنا فارساً مغواراً وبطلاً لا يقهر، إلى أن جاء أحد أيام أجازتنا السنوية، وتجمهر أطفال الحي عصراً أمام ساحات البيوت، وانقسموا إلى مجموعتين هزيلتين أطلقوا عليهما هلال/مريخ .. ثم شرعوا في ممارسة دور الأطفال ــــ الذكور ـــ التاريخي (تقليد طريقة اللاعبين الكبار في كرة القدم) ..!
عامر يتهادى بقميصه الأحمر ويوزع نظرات الفخر على الجميع .. بنات لعبة (الحنجلة) يتوقفن عن اللعب ويرمقنه في انبهار طفولي .. عامر يمرر الكرة .. يحرز هدفاً .. عم محمود الجالس يرسل إعجابه بالهدف عبر صيحه من موقعه على كرسي البلاستيك العتيق أمام باب منزله .. إحدى صديقاتنا التومات تحلف - بالتقطعها - وهي تروي كيف علمها عامر طريقة تسجيل أقوان بالرأس ..!
ضفائر التومة تتمطوح ذات اليمين وذات اليسار وهي تصف لنا بحماسة وزهو عظيم كيف شاركت البطل تسديد أهداف بالرأس في تلك اللحظة التاريخية .. ونحن نرمقها في غيرة طفولية واضحة، شتت تركيزنا عن متابعة مجريات المباراة .. جلبة المشجعين الصغار تشكل خلفية صوتية لانتصارت البطل .. عم محمود يعتدل في جلسته وهو يحرك كرسي البلاستيك مرسلاً صيحة إعجاب أخرى ..!
عامر يتقدم نحو المرمى بثقة الهدافين الكبار .. طريقة سير المباراة تمهد لمزيد من بطولات عامر وتعزز ? في ذات الوقت - لمزيد من الصفات الحميدة في شخصيته المثالية التي لا تخشى شيئاً والتي تجيد صنع كل شيء .. الأمور تسير على مايرام تماماً .. ثم فجأة يقع عامر على يده اليمنى في أثناء اللعب ..!
كانت أول مرة نرى فيها صديقنا عامر وهو يبكي .. يقع البطل على الأرض .. يعتصر كفه الصغيرة في ألم .. ثم يجهش بالبكاء .. الدموع تبلل وجه عامر .. نحن نرقب المشهد بمزيج من الحزن والدهشة والإحباط .. إحباط طفولي من نوع خاص يتنازعني على نحو خاص .. عامر يبكي مثل البنات ؟! .. يا للهول .. فهم طفولي - جداً - يتنزل علىّ، ويزلزل يقيني المفرط ببطولة عامر..!
الفتى الشجاع ينزل من برجه العاجي ويصبح في نظري - الذي سقط منه مكرهاً لا بطل ! ? مجرد طفل صغير يجهش بالبكاء عند أول امتحان حقيقي لشجاعته كرجل! .. كانت سقطة عامر لحظة ضعف بشري تكرس لإنسانية رجل صغير .. ولا تخصم من أرصدة التقدير له والإعجاب به شيئاً .. لكنها أحكام الأطفال المأخوذة بحسن نية - وسوء استماع - عن قسوة أحكام (بعض) الكبار على (كل) دموع الرجال