عمـــــــــود صحـــــفي للجمـــــيع فقــــــط
------------------------------
(الزول داك) مبسوط من الشريف /حيدر المكاشفي
------------------------------------------
ونكتب على طريقة أبواب الأسرار في الصحف السيارة من شاكلة «قالت العصفورة»، و«الشبكة» و«الصندوق الأسود» وما شاكلها من طرائف وأساليب تلجأ إليها الصحافة للطرق على ما يقع تحت يدها من معلومات غالباً ما تحتوي على شبهة فساد أو إستغلال سلطة أو جنحة أخلاقية وما إلى ذلك من معلومات تجد أن الأنسب نشرها بطريق غير مباشر على طريقة «الكلام ليك يا المطير عينيك»، وتشير إلى وقائعها باسلوب «بقول باع وبضبحوه في الضحية ما هو» ثم تقذف بهذه الطاقية ليتلقفها من يشاء ويلبسها، وما نكتبه اليوم واقعة حقيقية بطلها شخصية معروفة إعلامياً، إذ لا تعقد الحكومة مؤتمراً صحفياً إلا ويكون هو أول المتكلمين وآخرهم، يفتتح المؤتمر ويختتمه باعلان نهايته، ثم أنه منذ أن «توالى» لم ينزل عن سدة الاستوزار حتى الآن، بل أن إستوزاره الأخير صاحبته ملابسات تدل على مدى حب هذه الشخصية للسلطة وعدم إحتمالها مفارقة مقاعدها، لا يغادر كرسي إلا ليجلس على آخر، وأظنه في ذلك يتأسى بنصيحة القرد لإبنه حين محّصه النصيحة بأن لا يفك الفرع الذي يمسك به إلا عندما يمسك بالفرع الآخر حين يريد القفز من مكان إلى مكان من أجزاء الشجرة... هذا هو «الزول داك»، أما الشريف فلا أظنه يحتاج إلى تعريف منذ أن أشهرته تلك الفنانة التي تغنت له بعد أن أغرقها بالهدايا الأمر الذي أوغر صدور بعض صويحباتها اللائي غرن منها، فصدحت تمدحه وتعرّض بهن:
الشريف مبسوط مني عشان أنا بحب فني
اللكزس هدية ما علاقة شخصية
هناي وهناية امسكوا القناية المرسيدس ولكزس
وبكرة الهمر جاية.. إلى آخر هذه «الطقطوقة» التي انطلقت بعدها وفود المغنيات والمغنيين في رحلات متتالية إلى مقام ومقر الشريف بدعوات منه، فأصبحوا وأصبحن يتهافتون ويتهافتن عليها لدرجة أن ساخراً منهم قال ذات زيارة «الصرفة دي حقتي عشان الشريف مبسوط مني»...
ولكن يبدو أن «الزول داك» مبسوط من الشريف، لهذا فقد عكس الآية، فأقام في اليومين الماضيين «حفلاً دكاكينياً» للشريف الذي يزور الخرطوم هذه الايام، ولا ندري إن كانت الزيارة بدعوة من «الزول» أم أن الشريف حلّ بالخرطوم لأمور تخصه، المهم أن المنزل الذي مدت فيه الموائد بما لذ وطاب من المحمر والمشمر والمجمر وعنباً ورطبا وفاكهة وأبا وصدح فيه الفنانون بأغاني الشجن والحنين والحب واللوعة، وليس حماسيات «وروني العدو وأقعدوا فراجة» و«الليلة إستعدوا وركبوا خيل الكر... وقدامن عقيدن باللغر دفر» و«أنا غنيت بولف ليك يا الدابي العشاري وزي الشرار عينيك»، المهم أن هذا المنزل للمفارقة يقع على مرمى حجر من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، والمفارقة الأكبر أن هذا «الزول» كان قد أمضى سحابة نهاره يسب التمرد ويلعن سنسفيل الجبهة الثورية والحركات التي إستباحت أبو كرشولا وأم روابة فقتلت وسحلت ببشاعة وفظاعة، ثم يكاد يعلو نحيبه ونشيجه على حال من شردتهم هذه الحرب فهاموا على وجوههم يلتحفون الأرض ويتغطون بالسماء وقد طواهم الجوع وأنهكهم الجوع وهدهم المرض بينما هو في المساء في معية الشريف آخر إنبساطة وفرفشة ودردشة ودندنة.. إنها حكاية «بعد العشاء ما في إختشاء»