عمـــــــــود صحـــــــفي للجمــــيع فقـــــــــــــط
-----------------------------------
قيودنا أرحب من حرياتهم..!! الطاهر ساتي
-----------------------------------
**إبان أزمة الرغيف وصفوف المخابز، تجاوز أحدهم الصف وصار قوسين أو أدنى من النافذة، فلمحه الشرطي وأمره ( يازول احترم الناس القدامك وامشي اقيف آخر الصف)، فذهب إلى آخر الصف ثم عاد للشرطي قائلاً : (والله ياجنابو ما لقيت محل في اخر الصف، في زول واقف)..وهكذا تقريباً لسان حال بعض الدول العربية التي تتجاوز الصف في قائمة الحريات الصحفية وتصنيفاتها التي تصدرها المنظمات الدولية والعربية.. وفق معايير الحرية ومعناها، يجب أن تقف بعض الدول العربية في (مؤخرة الصف)، ولكنها تذهب الي المؤخرة ثم تعود إلى المقدمة بتبرير فحواه (مافي محل في آخر الصف، لقينا السودان واقف)..وتقرير هذا العام، والصادر عن منظمة مراسلون بلاحدود، نموذجاً ..!!
** فالتصنيف السنوي لحرية الصحافة، والصادر عن منظمة مراسلون بلاحدود، يضع السودان في المرتبة (170 عالمياُ)، و في المرتبة (20 عربياً)..وترتيب السودان عربياً، حسب هذا التصنيف، الثالث قبل الأخير، أي قبل سوريا والصومال فقط لاغير..أي كل دول الخليج متقدمة على السودان ، حسب تصنيف مراسلون بلاحدود، وعلينا أن نلغي عقولنا ونغمض أبصارنا ونصدق هذا الأمر ..وهذا يعيد إلى الذاكرة موقفاً حدثت وقائعه إبان سنوات حكومة نيفاشا، إذ عقدت لجنة الحريات باتحاد الصحفيين العرب إجتماعاً بالقاهرة ثم أصدرت تقريراً بترتيب الدول في صف حرية الصحافة على النحو الآتي : الأولى دولة خليجية، والثانية مصر، والثالثة دولة خليجية، وووووو، وأخيراً (السودان والصومال)..فاتصلت برئيس اللجنة وسألته : دع السودان، فليكن في آخر الصف، ماهي المعايير التي جاءت بهذه الدولة الخليجية في مقدمة الصف؟، فأجاب بمنتهى البراءة : (ماعندهمش صحفيين في السجون زيكم، وماعندهمش صحف مصادرة زيكم، وماعندهمش رقابة على الصحف زيكم )، فضحكت مخاطباً : ( لا خلاص، صدقناكم )..!!
**المهم..كل حقوق الإنسان، ومنها الحريات - عامة كانت أو صحفية - لاتقبل ( المقارنة السالبة)، وليس من العدل أن يقول المرء ( نحن أفضل في دولة كذا في مجال الحريات)، ويكون القصد ترسيخ الوضع الراهن أو التبرير للشمولية..لقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً ويجب أن نعيش أحراراً، أو هكذا يجب أن يكون مبدأ أي إنسان و أي شعب، بلامقارنة بالظروف التي تحيط بالإنسان الآخر والشعب الآخر، شمولية كانت تلك الظروف أوديمقراطية.. ولكن، بما أن في الأمر تصنيف، و( كمان دولي)، فلنمد أقدامنا قبل أقلامنا ونقول بمنتهى الوضوح : باستثناء دولة الكويت إلى حدما في مجال حرية الصحافة فقط ، كل دول الخليج يجب أن تقف خلف دولة السودان في صف الحريات (عامة كانت أو صحافية)..نعم، على صحافتنا قيود وكذلك تحيط بها سياج الخطوط الحمراء، وكثيراً ما تراوغ الأقلام القيود وكثيراً ماندفع أثمان التحرر من تلك القيود(سجناً وإيقافاً ومصادرة وغرامة)، ومع ذلك لصحافتنا من هامش الحرية ما يحتمل نقداً من شاكلة ( أخت الملك عزباء)، أوكما تقول حكمتنا الشعبية..وهذا الهامش هو المفقود في تلك الدول التي تتقدمنا سنوياً في (مؤشرمراسلون بلاحدود)..!!
**والمدهش للغاية هو أن أقلام صحف تلك الدول الفاقدة للهامش هي التي تحتفي بمؤشر مراسلون بلاحدود سنوياً، وكذلك تنتقد وضع الحريات في صحافة السودان سنوياً ، وليس في الإحتفاء والنقد عجب، فالجمل كان ولايزال وسيظل (ما بيشوف عوجة رقبتو)..مؤسف أن يغيب القلم عقله ثم يكذب ويصدق كذبه، أوهكذا حال الصحف والفضائيات الخليجية العاجزة عن نقد أوضاع حرياتها، ومع ذلك تحتفي بالتقارير التي تتحدث عن أوضاع الحريات في صحافة السودان..مثل هذا التصنيف المتكئ على معايير الجبن المسماة ب (ماعندهم سجون، ماعندهم مصادرة) لن يخدعنا ابداً، وكذلك لن يحزننا ولن يحبطنا، بل سنواصل دك الصخر حتى يخرج الصخر لصحافتنا حرية غير منقوصة، وما أقلام الصحافة السودانية إلا أبناء شعب يعرف قدر نفسه جيداً، وخاصة حين يكون الحديث عن كل (صفوف التحرر).. المهم، حالياً، لاتتقدمنا في صف حرية الصحافة - من دول الجامعة العربية - إلا مصر، تونس، لبنان، ليبيا، الكويت وموريتانيا، أوهكذا يتجلى الواقع.. فالسجون والمصادرة التي تدفعها الصحافة السودانية ثمناً لرسالتها هي أوسع مساحات الحرية في الكون، ولكن منظمة مراسلون بلا حدود لاتتخذها معياراً في تصنيفها، إذ هي ترى أن مساحة الحرية يجب أن تكون دائرة بنصف قطر العُقال أوبطول الدرهم والريال..!