عمـــــــــــــــــــود صحـــــــــفي للجمـــــــيع فقـــــط
-----------------------------------
من القوة للهوة / منـــى سلمـــــــان
------------------------
في عاميتنا دعوة بليغة تقول: (ياربي من القوّة للهوّة)، يدعو بها كبارنا العارفين بمتاعب (بشتنة) أرذل العمر، ورغم أن الدعوة تحمل في ظاهرها معنى الدعاء على النفس بالموت .. فـ (القوة) هي تمام العافية والمروّة، و(الهوة) هي الحفرة العميقة أي القبر أو كما قال فكي (أبكر):محل بردموكم ردم.
لكن باطنها يحمل تضرعا لله كي يقيهم شرور أرذل العمر، وأن ينعم عليهم الله بميتة هينة سريعة لا يسبقها طول رقاد من مرض أو هرم، وبذلك يكفيهم مشقة التعويل على الآخرين في تدبر شؤونهم، وحسن ظنهم في (بر أبنائهم) وعشمهم في صبر هؤلاء الأبناء على حسن رعايتهم عندما (يرتدوا) إلى عالم الطفولة في أرذل العمر، ويصيروا مثل الأطفال أحوج ما يكونوا إلى الحب والحنان والإطعام و(الحمّام) ..
وفي تلك الأخيرة – الحمّام – قصة مرتبطة أيضاً بدعوة تدعو بها أمهات الصبيان اللاتي لم يمن الله عليهن بإنجاب البنات .. تقول الدعوة: الله يكفينا شر حمّام المقاشيش ..
تحكي قصة الدعوة، عن سيدة كان نصيبها في الذرية ابنين توقفت بعدهما عن الإنجاب قبل أن تسعد بـ (البنيّة حلاتا) .. عكفت السيدة على تربية ابنيها الاثنين ولم تبخل عليهما بشيء من عافية بدنها أو محنة قلبها حتى استوى عودهما وصارا رجلين، فزوجتهما وأفردت لهما مكاناً ليعيشا معها في البيت بعد وفاة أبيهما فعاشا جميعاً تحت مظلة حنانها وعطفها ورعايتها الشاملة.
ولكن لأن (دوام الحال من المحال) فقد مرّت سنوات تغيرت فيها مراكز اتخاذ القرار، وتحولت سلطات تصريف شؤون مملكتها الصغيرة رويداً رويداً من بين يديها إلى يدي زوجتي ابنيها .. ثم مرت تآآآني سنوات، كبرت فيها هذه السيدة وأصابها الهرم بالعجز والمرض، فصارت لا تقوى على الحركة إلا بمشقة شديدة ثم ارتدت إلى طفلة صغيرة لا تستطيع التحكم حتى في ما يخرج من السبيلين ..
وهنا (عافتها) السليفتان وتضجرتا من رعايتها والحفاظ على نظافتها الشخصية، ولكن لأنهما من ملة ناس (تخاف ما تختشيش)، فقد كانتا تحرصان على نظافة نسيبتهما العجوز خوفا من ابنيها – زوجيهما – لذلك ابتكرتا طريقة (فعّالة) تتيح إليهما تنظيف مخلفات العجوز دون أن تضطررا لتلويث أيديهما بها، فكانتا تحملا نسيبتيهما وتضعانها في (نص الحوش) ثم تحمل إحداهما خرطوم المياه وتحمل الأخرى المقشاشة، وبعد أن يجردانها من الثياب تفتحا صنبور المياه وتقوما بعد صب الصابون السائل عليها وتحميمها بـ (المقشاشة) !!
ذكرتني قصة المثل ببكاء سيدة عجوز من معارفنا عندما توفت ابنتها الوحيدة، وكان عشم تلك السيدة، أن تكبر وتخرف تحت رعاية ابنتها، لأن البنات أحن وأولى برعاية امهاتهن في الكبر من الأبناء .. فقالت ترثيها:
يا حليلة .. حبيبة الليل إن طال والدمع إن سال
البتعدل الحالة المايلة .. وتقش الريالة السايلة.
- قبل أن نضع اللوم على جحود الأبناء وقلة حرصهم على رعاية آبائهم في الكبر، علينا تدبر الحكمة التي تقول (داين تدان)، ومع اجتهادنا في رعاية آبائنا وكبارنا كي يرعانا أبنائنا في المستقبل .. علينا أيضا مراقبة الله في عافيتنا وشبابنا فيما نبليه حتى ننعم بشيخوخة كريمة نبلاها بي عرق العافية .. يا ربي يا سيدي من القوة للهوة.