الوقائع التاريخية التى ذكرتها سابقا توضح لنا أثر الشعر الحماسي في اتخاذ القرارات وتغيير موقف الحكام والقادة وخوضهم للحروب نتيجة لهذه الأشعار التي بثت فيهم روح القتال والتضحية والاستهانة بالموت .
.وهذه الأغانى ذات رسالة أخلاقية أيضا فهي تتحدث عن القيم الفاضلة وتمجدها وتحث عليها فمفرداتها تعبر عن الشهامة والرجولة والشجاعة والكرم ، كما أسلفت ، وهذه صفات متلازمة فالكريم شجاع لأنه قهر البخل في دواخله وهزم الأنانية، وتمجد هذه الاغانى أيضا الفروسية وتشيد بالانتصارات والبطولات وتنادي بها وتؤرخ لها ....كذلك تصور لنا بعض الأحداث التي أثارت الشاعرية في دواخل هؤلاء الشعراء ، وتحكى لنا هذه الاغانى أحداث المعارك وتوثقها بكلماتها المعبرة والصادقة . بعض هذه الأشعار والأغاني جيدة وقوية ورصينة ومعبرة ومتناسقة والبعض منها ليس بالشعر الجيد من ناحية المعنى والمضمون أو الموسيقى الشعرية سيما إذا كان من ذلك النوع الذي يثير النعرة القبلية والعرقية عند الناس ولكننا أحيانا نجد المبرر لأولئك الشعراء إذا حاكمنا شعرهم في إطاره الزمانى والمكاني ولم نفصله عن البيئة التي نشأ فيها والثقافة التي أوجدت هذا الشعر حيث كانت الحروب القبلية هي السائد وقتها .
هذه الأشعار والأغانى تاريخها قديم في السودان وتتوفر وتسود لدى كافة القبائل السودانية حتى تلك التي لا تتحدث اللغة العربية إذا فهي ثقافة منتشرة في كل أنحاء الوطن ومنذ قديم الزمان....
في محكر الديوان
هذه القصيد كتبت في الحسن ودضبعة شيق عمدة الجوير عبدالله ودضبعة غرب شندي .. كان رجل قارح وفارس وشهم وكريم وفارس القرية .....
نص القصيدة
سيد محكر الديوان ثابت يا أب قلب
تقابة لي النيران وين متل الحسن
الحسن يا الحسن غنيتّا ليك بي قياس
صنديد لي الولايا ولي الدموع قشاش
يا مطر السواري الماك هبوب ورشاش
حنكو البليغ خلوهو يتحدث
سيد زيناً قبيل قبل الناس تعرف الناس
سيد أصلاً قديم من الحمزه والعباس
الحسن والحسن في عايلة ماتسمّا
ضباح الربايب سيد القدح لمّا
دالي وبرمكي وببرّد حشا العمّا
دا ولادة النجاح الما بتدرك البلما
شوف عيني التساب الفوق البلد عمّا
ود ضبعة التساب الفوق البلد عمّا
أناغنيت بولف ليك
ياالدابي العُشاري وزي الشرار عينيك
خبرك بندقية
تلب يا الصقر توّر الرخم مني
الحسن يا الحسن دوم بغني لِي
تمساح جلقني وزي الشرار عيني
ما شال بندقية وقال بتحميني
تلب يا الصقر تور الرخم مني
.............................
يقال في مرة وكانت الفنانة حميرا بت كبوشية بتغني في هذه الأغنية ولما جات في البيت الأخير صارت تكرر ( تلب يا الصقر وتوّر الرخم مني )
فنالت عكاز من واحد وقال لها نحن الرخم يا السجم
قرب يودرها ورقدت إسبتالية
والأغنية شاعرتها هي حميراء أم قلب .. وقيلت في الحسن ود ضبعة عمدة الجوير وكان شيخا للخط .. توفى الحسن ود ضبعة في بداية الأربعينات .. واعرف ابنه السبكى حسن ضبعه والذي يعمل تاجرا بمدينة الأبيض .. وكنت قد ذكرت قصة الأغنية للأستاذ الباحث خالد الشيخ حاج محمود وبالفعل قام بزيارة السبكى حسن ضبعه بحي الدرجة بالأبيض ووجد معهم امرأة قالوا له إنها ابنة حميراء أم قلب..ولقد أكدت الأسرة إن الأغنية قيلت بالفعل في الحسن ودضبعة.
والحسن ود ضبعة رجل كريم وشجاع وله مواقف مشهودة أشهرها قصة البندقية والتي يتداولها الناس كثيرا حيث تقول إن احد الرجال قد سرق بندقية وأمر المفتش كل العمد وشيوخ الخط القبض على السارق وكان من ضمن هولاء الشيوخ الحسن ود ضبعة ، وعند القبض على اللص حضرت إحدى أخواته وكشفت رأسها أمام الرجال فنزل الحسن ودضبعة من حصانه وغطى رأسها وأمر بإطلاق سراح السارق مما اغضب المفتش عندما سمع بهذا الخبر وهدد الحسن ود ضبعة بإقصائه من العمودية و لكنه لم يستطيع فعل اى شئ ضده.... فغنت حميراء أم قلب مستصحبة معها كل قيم ومواقف الحسن ود ضبعة ..
وخبر البندقية القالو دى بترميه
تلب يا صقر فرق الرخم منى
وهنالك قصة أخرى تقول انه دخل في خلاف مع المفتش وخرج منه غاضبا دون استئذان وتحدث الناس في وجود المفتش عن رجولة وشجاعة الحسن ودضبعة وانه لا يلتفت وراءه أبدا حتى ولو أطلق عليه الرصاص وبالفعل أمر المفتش احد العساكر بإطلاق النار في اتجاه الحسن ودضبعة ليتأكد من شجاعته وبالفعل لم يلتفت الحسن ود ضبعة خلفه بل واصل مسيره ( عدم الالتفات إلى الخلف هي إحدى صفات الأسد حيث انه لايلتفت إلى الخلف نهائيا بل يدور دورة كاملة عند الضرورة .. راجع المستظرف في كل فن مستظرف)..
وأيضا من قصص الحسن ود ضبعة انه راى احد الرجال يسقط في البئر فذهب إليه ولم يستطيع إنقاذه لوحده فطلب منه الرجل الذهاب إلى الحلة ليخبر رجالها لكي يساعدوه في إخراجه ولكن الحسن ودضبعة رفض ذلك وقال ( انا ما بودي الخبر الشين فج لي معاك) وبالفعل تلب الحسن ود ضبعة في البئر مع الرجل .رد مع اقتباس
يمكن شرح بقية كلمات الأغنية مع الاستعانة بالبروفيسور عون الشريف قاسم وكتابه قاموس اللهجة العامية في السودان..
..
الدالي : هو الفارس والبرمكى هو الرجل نبيل الطباع والكريم ومأخوذة من البرامكه ، وبعائلة ما اتسمي اى أن خيره وكرمه تخطى عائلته إلى الكل
أب زنود : هو الثعبان ويطلق على الرجل القوى
الدابى :هو التمساح قال حاج الماحي
البنيان يا جمله صحابي..... الغوث يا قطب الاقطابى
الشبلى وبدوى النشابى .....ارخو السر في هذا الدابى
الحجر مشارع المه : منع ورود الماء
أب حنكن بليغ الما بردد الكلمه : دلالة على طلاقة اللسان
البلمه : التي لاتستطيع الكلام ، البلم هو العي
النيل التساب : النيل في وقت الفيضان .... تساب فيضان والتشبيه يدل على الكرم والجود
كبديق : غطاء قالت الشايقية ترثى ..
بتو تقول وا اذايا ... أكان كبديق لي غُتايا
دود الكوانى : الدود هو الأسد وفى المناطق النيلية يقصد به التمساح
قال حاج الماحي في قصيدة التمساح ...
شئ لله يا راجل البركل .....يا قايم الليل ماب تكسل
يا عايم بالله أتوكل...... قول للدود من بلدي أتفضل
وقال أيضا ....
يا أولاد جابر بى عجميكن..... قوم الخمسه واكربوا سريكم
نادوا أب رابعه وخلوا يجيكم..... قتل الدود مو قاسى عليكم
وقال البطحانى ...
ديدان لجة الموج البياكلو الناس
والكوانى جمع كونيه وهى حفره في النهر تزلق فيها القدم ويغرق فيها الإنسان
الرخم : طائر من الجوارح يضرب به المثل دلالة على البلاهة.