المقالات
منوعات
سقوط.... بيت حماد...!!
سقوط.... بيت حماد...!!
04-05-2013 08:43 AM
.نجيمات الليل بدأت تخبو, وقد تدثرت بغطاء خيوط الفجر، معلنة خجلها ...وهى تتــوارى فى حيـــاء عن الانظار...حاج عثمان يخطو وسط الوحل، يتلمس بعكازته الطريق ...وعـــن يمينه سـار ابنه عماد، وهما يقتربان من مسجد القرية ... تقام الصلاة... وشيخ صالح... يرتل بصوته الرخيــم، فى خشوع يكسر حــاجز الصمت من كتاب العــزيز، ماتيسر له من ســـورة الرحمن، فيغمرالصفاء ...الارجاء، مدغدغا الاحساس، تستفيق القلوب النائمة .
سو ق القرية يتحرك من سباته معلنا انطلاقه...تتداخل اصوات الباعة وهدير البصات بابواقها، وهى تستعرض... ملفتة اسماع وانظارالمسافرين ،عشرات الاصناف تعـرض من الخضروات والفاكهة الطازجة... وكل ينادى مشترى، صخب يضخ دماء النشاط فى قلب القرية ، قد املأت اطراف السوق، ورواكيبه المبنية من الحصير، والسعف بالحياة، فى احدى الزوايا البعيدة جلس بائعى الدجاج ، وعلى مقربة منهم اصحاب المواشى باغنامهم وابقـــارهم... والبعـــض منهم قد عرض زجاجات من السمن البلدى... قهــــوة الركابى قد ضجت بالرواد، وهم يطردون برودة الصباح باكواب الشاى الدافىء، واحتسى سليمان الحلاق ...فنجال قهوة الركابى المنعشة وعينه تتابع بشغف قوام ست البنات الملفوف وهى توزع اللقيمات، محاولا ان يشبـــع خلسة اشــــواقه المكبوته فى اعجاب... شره وحب عارم من طرف واحد ....حسن التـــرزى بعرجته يخــــرج ماكينة الخياطة ، من دكان الاغبش ويضع قلم الرصاص فوق اذنه اليمنى، ويبدأ تفصيل جلباب الشيخ صالح ، دكان الاغبش اكبر دكان للاقمشة فى القرية، ظل الاغبـــش صديقا حميما لحــاج عثمان فقد كان الحاج مستودع اسرار الاغبش ،الذى لم يرزق بـــذرية من زوجتــــه الاولى ثــم تزوج الثانية والتالثة والرابعة وعندها تأكد الاغبش ان العيب فى الانجاب ليس من النساء, انما منه.... انفق من ماله الكثير، املا فى ايجاد العلاج سافر الى الخرطوم، وما وراء حدود الوطن ثم عاد بخفى حنين ،يلازمه الخوف من ان يموت ولا يترك وراءه وريث يخلفه على هذه الثروة الطائلة، كان يؤمن بالمثل القائل الخلف ما...مات..يدخل حماد النجار وقـــد ضاقت الــــدنيا فـى عينيه يلقى التحية وهو يتحوقل: لا حول ولاقوة الابالله....اللهم لا اعتراض على حكمك!!
يلتفت اليه حسن الترزى فى انزعاج وقلق: خير ياعم حماد ما لى اراك مهموما اجلس يحضر اليه مقعدا .....خير انشاء الله؟
يجيبه والهم قد ركبه : البيت ياحسن البيت ...سقطت كل جدرانه ...حتى الحمام والمطبخ
حسن يترك القماش من يده: لاحول ولا قوة الابالله سلامات، ياعم حماد ارجو ان لا يكون قد اصاب مكروه واحد من اولادك ؟يجيبه حماد بتأثر: لا الحمد لله لم يصاب احد من الاولاد... الا الكلب فقد سقط عليه الجدار,
يسمع حاج الاغيبش الكلام فيخرج من دكانه مسرعا ويسلم على حماد قائلا: كــــفارة ياحماد والف حمد لله على سلامتكم
حماد : الله يسلمكم من كل شر...الله يسلمكم
حاج الاغيبش: المال يمكن تعويضه ياحماد ،ونحن اهل ولا تترك الهم يسيطر عليك،( يدخل حاج عثمان بعكازته وهو يتنحنح: السلام عليكم
يرد ثلاثتهم : وعليكم السلام ياحاج
يقوم حسن من مقعده ويضعه للحاج عثمان بادب يسمى الاخير الله بصوت مسموع : خير انشاء الله هل هناك من خطب ياحاج؟
يجيبه الاغيبش: حماد منزله هدمته امطار البارحة وسقطت جدرانه والحمام والمطبخ لكن الحمد لله اولاده وزوجته بخير وهذا هو المهم.
حاج عثمان متكيئا على عصاه ناظرا الى جهة حماد: كفارة ياحماد اليوم باذن الله يجب ان ترحل من بقية المنزل لان وضعه غير مطمئن ماهو رايك يا اغيبش؟
الاغيبش: نعم الرأى ياحاج فالمنزل معرض للسقوط وجدرانه قد ارتوت بالماء.
يجيبه حماد: ارحل الى اين ياحاج انا ماعندى...
يقاطعه الحاج بهدوء : الى منزلى الجديد ارجو ان ترحل اسرتك اليوم لان سقوط الجدران يعنى احتمال سقوط الغرف ايضا لا سمح الله والوقاية خير من العلاج وربنا يخلف عليك وماتشيل الهم ياولدى نحن معاك والله معانا...
ينهض ويقبل راس الحاج بامتنان قائلا : الله يجزاك خير ياحاج الله يطيب خاطركم